تفسير “المغضوب عليهم” و “الضالين” من سورة الفاتحة

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفاتحة

(صِرَٰطَ‭ ‬ٱلَّذِينَ‭ ‬أَنۡعَمۡتَ‭ ‬عَلَيۡهِمۡ‭ ‬غَيۡرِ‭ ‬ٱلۡمَغۡضُوبِ‭ ‬عَلَيۡهِمۡ‭  ‬وَلَا‭ ‬ٱلضَّآلِّينَ‭ ‬‮)

التفسير‭ ‬الصحيح‭ ‬للمغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬أنهم‭ ‬اليهود‭ ‬،‭ ‬والضالين‭ ‬النصارى‭ ‬،‭ ‬وحكاية‭ ‬أقوال‭ ‬أخرى‭ ‬ليس‭ ‬وجيهاً‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬فيها‭ ‬نصاً‭ ‬نبوياً‭ ‬صريحاً‭ ‬وهو‭ ‬حديث‭ ‬عدي‭ ‬بن‭ ‬حاتم،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يوجد‭ ‬حديث‭ ‬في‭ ‬تفسيرها‭  ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يفهم‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬وأساليبها‭ ‬،‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الاستثناء‭ ‬بـ ‭ )‬غير‭( ‬ هنا‭  ‬المقصود‭ ‬منه‭ ‬التعيين‭ ‬للطوائف‭ ‬التي‭ ‬تدعىأنها‭ ‬على‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭  ‬،‭ ‬وهما‭ ‬على‭ ‬التعيين‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬،والقول‭ ‬بعموم‭ ‬كل‭ ‬مغضوب‭ ‬عليه‭ ‬وكل‭ ‬ضال‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬يفيد‭ ‬شيئا‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬داخل‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬مخالفة‭ ( ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ) ‬لأن‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬واحد‭ ‬وغيره‭ ‬طرق‭ ‬غير‭ ‬مستقيمة‭ ‬منهي‭ ‬عن‭ ‬اتباعها‭ .. ‬وهذا‭ ‬مثبت‭ ‬حتى‭ ‬رياضياً‭ ! ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬رياضياً‭ ‬هناك‭ ‬خط‭ ‬مستقيم‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬يصل‭ ‬بين‭ ‬نقطتين‭ ! ‬مصداق‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ( ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬صراطي‭ ‬مستقيماً‭ ‬فاتبعوه‭ ‬ولا‭ ‬تتبعوا‭ ‬السبل‭ ‬فتفرق‭ ‬بكم‭ ‬عن‭ ‬سبيله‭ ) ‬

فدل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬استثناء‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬والضالين‭ ‬استثناء‭ ‬قصد‭ ‬منه‭ ‬تعيين‭ ‬هاتين‭ ‬الطائفتين‭ ‬كما‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حديث‭ ‬عدي‭ ‬بن‭ ‬حاتم‭ ‬،‭ ‬وهما‭ ‬الطائفتان‭ ‬اللتان‭ ‬سبقتا،‭ ‬وبينهما‭ ‬وبين‭ ‬المسلمين‭ ‬الجدل‭ ‬المستمر‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬هذه‭ ‬الطوائف‭ ‬الثلاث‭ ‬هي‭ ‬المعنية‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الديني‭ ‬قصدا‭ ‬وغيرها‭  ‬هامش‭ ‬والله‭ ‬أعلم‭.‬

وعبر‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬صديق‭ ‬حسن‭ ‬خان‭ ‬بقوله‭ : ‬

وأنت‭ ‬خبير‭ ‬بأن‭ ‬جعل‭ ‬الموصول‭ ‬عبارة‭ ‬عما‭ ‬ذكر‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬غير‭ ‬معينة‭ ‬مخل‭ ‬ببدلية‭ ‬ما‭ ‬أضيف‭ ‬إليه‭ ‬مما‭ ‬قبله،‭ ‬فالمصير‭ ‬إلى‭ ‬التفسير‭ ‬النبوي‭ ‬متعين‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أطبق‭ ‬عليه‭ ‬أئمة‭ ‬التفسير‭ ‬من‭ ‬السلف،‭ ‬قال‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬حاتم‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬خلافاً‭ ‬بين‭ ‬المفسرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التفسير،‭ ‬ويشهد‭ ‬له‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬كما‭ ‬تقدم‭.‬

وقال‭ ‬الماوردي‭ : ‬وهو‭ ‬قول‭ ‬جميع‭ ‬المفسرين‭.‬

وهي‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬وصل‭ ‬لها‭ ‬الشوكاني‭ ‬أيضا‭ ‬بقوله‭ : ‬

‭”‬والمصير‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬النبوي‭ ‬متعين،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أطبق‭ ‬عليه‭ ‬أئمة‭ ‬التفسير‭ ‬من‭ ‬السلف‭.‬

قال‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬حاتم‭: ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬خلافا‭ ‬بين‭ ‬المفسرين‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬باليهود،‭ ‬والضالين‭ ‬بالنصارى‭.‬

ويشهد‭ ‬لهذا‭ ‬التفسير‭ ‬النبوي‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬القرآن،‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬لبني‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬البقرة‭: ‬﴿بئسما‭ ‬اشتروا‭ ‬به‭ ‬أنفسهم‭ ‬أن‭ ‬يكفروا‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بغيا‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬فضله‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬عباده‭ ‬فباءوا‭ ‬بغضب‭ ‬على‭ ‬غضب‭ ‬وللكافرين‭ ‬عذاب‭ ‬مهين﴾‭ [‬البقرة‭: ‬‮٩٠‬‭] .‬

وقال‭ ‬في‭ ‬المائدة‭: ‬﴿قل‭ ‬هل‭ ‬أنبئكم‭ ‬بشر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬مثوبة‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬لعنه‭ ‬الله‭ ‬وغضب‭ ‬عليه‭ ‬وجعل‭ ‬منهم‭ ‬القردة‭ ‬والخنازير‭ ‬وعبد‭ ‬الطاغوت‭ ‬أولئك‭ ‬شر‭ ‬مكانا‭ ‬وأضل‭ ‬عن‭ ‬سواء‭ ‬السبيل﴾‭ [‬المائدة‭: ‬‮٦٠‬‭]”‬

والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬متأخري‭ ‬المفسرين‭ ‬كالقاسمي‭ ‬وابن‭ ‬عاشور‭ ‬يميلون‭ ‬للقول‭ ‬بأنها‭ ‬ليست‭ ‬خاصة‭ ‬باليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬كقول‭ ‬القاسمي‭ : ” ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬المراد‭ ‬بالمغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬والضالين‭: ‬كل‭ ‬من‭ ‬حاد‭ ‬عن‭ ‬جادة‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فرقة‭ ‬ونحلة،‭ ‬وتعيين‭ ‬بعض‭ ‬المفسرين‭ ‬فرقة‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تمثيل‭ ‬العام‭ ‬بأوضح‭ ‬أفراده‭ ‬وأشهرها،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المراد‭ ‬بقول‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬حاتم‭: ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬بين‭ ‬المفسرين‭ ‬اختلافا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬اليهود،‭ ‬والضالين‭ ‬النصارى‭”‬

أو‭ ‬كقول‭ ‬ابن‭ ‬عاشور‭ : “‬وليس‭ ‬يلزم‭ ‬اختصاص‭ ‬أول‭ ‬الوصفين‭ ‬باليهود‭ ‬والثاني‭ ‬بالنصارى‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬أمثالهم،‭ ‬وهذا‭ ‬الوجه‭ ‬في‭ ‬التفسير‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يستقيم‭ ‬معه‭ ‬مقام‭ ‬الدعاء‭ ‬بالهداية‭ ‬إلى‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬المراد‭ ‬دين‭ ‬اليهودية‭ ‬ودين‭ ‬النصرانية‭ ‬لكان‭ ‬الدعاء‭ ‬تحصيلا‭ ‬للحاصل‭ ‬فإن‭ ‬الإسلام‭ ‬جاء‭ ‬ناسخا‭ ‬لهما‭. “‬

وما‭ ‬قاله‭ ‬ليس‭ ‬قوياً‭ ‬،‭ ‬والدعاء‭ ‬حال‭ ‬كون‭ ‬المراد‭ ‬دين‭ ‬اليهودية‭ ‬والنصرانية‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬،‭  ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬التوجيه‭ ‬القرآني‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬،‭ ‬فنحن‭ ‬مأمورون‭ ‬في‭ ‬مواطن‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬بألا‭ ‬نتبع‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬تحديداً‭ ‬،‭ ‬وجاء‭ ‬الأمر‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬المائدة‭ ‬نصاً‭ ‬صريحاً‭ ( ‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬لا‭ ‬تتخذوا‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬أولياء‭ )  ‬وفي‭ ‬مواطن‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬التحذير‭ ‬المستمر‭ ‬لاتباع‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬أو‭ ‬اتخاذهم‭ ‬أولياء‭ .. ‬

والمسألة‭ ‬راجعة‭ ‬في‭ ‬أصلها‭ ‬للعهد‭ ‬الإبراهيمي‭ ) ‬قال‭ ‬إني‭ ‬جاعلك‭ ‬للناس‭ ‬إماما‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬ومن‭ ‬ذريتي‭ ‬قال‭ ‬لا‭ ‬ينال‭ ‬عهدي‭ ‬الظالمون‭ ( ‬فظهرت‭ ‬أمة‭ ‬اليهود‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬اختلفوا‭ ‬،‭ ‬وظهرت‭ ‬أمة‭ ‬النصارى‭ ‬ثم‭ ‬اختلفوا‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬ظهرت‭ ‬أمة‭ ‬الوسط‭ ‬أمة‭ ‬الإسلام‭ ‬فكانت‭ ‬هي‭ ‬الحاكمة‭ ‬عليهما‭ ‬وكتابها‭ ‬هو‭ ‬الكتاب‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬السابقة‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬لم‭ ‬يرضوا‭ ‬بذلك‭ ‬وكل‭ ‬حزب‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬فرحون‭ ‬،‭ ‬فكفروا‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬على‭ ‬محمد‭ ‬،‭ ‬وادعت‭ ‬كل‭ ‬أمة‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬الأحق‭ ‬بقيادة‭ ‬البشرية‭ ‬،‭ ‬فكان‭ ‬التحذير‭ ‬القرآني‭ ‬المستمر‭ ‬من‭ ‬اتباعهم‭ ‬أو‭ ‬الانقياد‭ ‬لهم‭ .‬وسورة‭ ‬الفاتحة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬بتفسير‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬للمغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬بأنهم‭ ‬اليهود‭ ‬،‭ ‬والضالين‭ ‬بأنهم‭ ‬النصارى‭ . ‬والله‭ ‬أعلم‭ .‬

‬‭ ‬​

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*