شوقي وسلام من صبا بردى أرقٌّ

 

هذه القصيدة تعرفت عليها أول مرة عندما قرأت مقالاً للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ، تكلم فيه عن قصة، وفيها أن الفرنسيين عندما قصفوا دمشق وأحلوا الدمار بها ، أقيم في القاهرة مهرجان لنصرة دمشق في حديقة الأوزبكية سنة ١٩٢٦م ، وألقى فيها الشعراء قصائدهم ، وكان ممن ألقى القصائد ثلاثة شعراء معروفين ، شوقي وخير الدين الزركلي ، وثالث نسيت اسمه الان، قال الطنطاوي ، فصفق الجمهور طويلاً لقصيدة الزركلي والآخر ولم تكن استجابتهم لقصيدة شوقي بالقوة نفسها (ربما لغرابة القافية والروى) لكن!

في اليوم التالي وعندما نشرت الصحف القصائد الثلاث ، علم الناس من هو الشاعر ! وتفوقت قصيدة شوقي على القصائد الأخرى بمراحل ..

والقصيدة اشتهرت بين الناس وأصبح بعض أبياتها من عيون الحكم المعاصرة

مثل قوله :

وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يُدقُّ

وأحد الأبيات التي توقف عندها الطنطاوي فيما أذكر قول شوقي :

ألست دمشق للإسلام ظئراً *** ومرضعة الأبوة لا تُعقُّ

الظئر : الأنثى التي تعطف على ولد غيرها أو ترضعه

والمقصود بكون دمشق ظئر الإسلام أن فيها أول دولة إسلامية بعد الخلافة ،وهي دولة الأمويين ، والفكرة أن المدينة النبوية هي الأم ، ودمشق هي الظئر وكأن دمشق اعتنت بالإسلام في بداية دولته حتى قويت شوكته  .

ومن العبارات الشهيرة والاقتباسات الجميلة عبارة ( كلنا في الهم شرقُ ) وهي مأخوذة من هذه القصيدة في البيت الذي يقول فيه :

نصحت ونحن مختلفون داراً … ولكن كلنا في الهمّ شرقُ

وهذه الأبيات أرشحها لك لتحفظها :

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ … وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي  … جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

بردى : يقصد نهر بردى في دمشق. والصبا الريح المعروفة وفي الحديث (نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ ) البخاري عن ابن عباس ، وفي معناها قيل : الريح التي تهب من الشرق ، وقيل الريح التي من خلفك عندما تستقبل القبلة والدبور عكسها ، فقيل التي تهب من الغرب ، وتأتي في وجهك عند استقبال القبلة .
واليراعة القلم من القصب .

لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ … عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ … وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها … تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ … وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا … وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ … وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ … لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ … وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا … غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ … بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها … أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ

ثم يقول بعد أن وصف فداحة الموقف :

وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا … قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا … أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ … يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا … وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ

ثم يقول :

بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني … وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا … بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ … كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي … وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا … وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ … بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ … فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ … يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا … إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا … وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ … وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ … بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ … وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ

هذا البيت توقف عنده الشيخ الطنطاوي ( كما أتذكر ) !

فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي … وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ

هذان البيتان مما يستشهد به كثيرا عند الأدباء والشعراء

نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا … وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ … بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ

وكذا هذان البيتان من الأبيات الخالدة في القصيدة خصوصا البيت الثاني

فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ … وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ … بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

نعم وللحرية الحمراء باب … بكل يد مضرجة يُدَقُّ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*